الصفحات

السبت، 29 سبتمبر 2012

حصة الأسد ..






كان يا مكان , في قديم الزمان , الغربال في التبن .. وكان اسد في غابه , قانونها سائد فيها .. حيوانات الغابة كلها تحت سيطرة الاسد .. فرض ضريبة على كل الجيوانات , من النملة الى الفيل , والطير والذئاب , كلها تدفع الضريبه . اسم هذه الضريبة (حصة الاسد ) .حيوانات الغابة جميعها تعمل ,تكدح , تشقى , يتعرق ما تحت ذيولها , لتقتطع الى سيدها افضل قطعة , وتقدمها كضريبة حصة الاسد , افضل الاجاص لا يأكله الدب , بل يعطيه للاسد , يقدم الذئب كبد الغزال الذي يصطاده للاسد , واذا علق ديك بانياب ثعلب , يصبح الثعلب مضطرا ليعطي الذّ قطعة منه وهي الزّور) للاسد .

يتمطرق الاسد في القصر , يأكل ويشرب مرتاحا مسرورا , وسط الراقصين والمنافقين من القرود , والحكماء والعلماء من الببغاوات , والمطربين من الغربان , احيانا يخرج , ليقوم بعمل من جهة , وليهيب رعيته من جهة اخرى , فيستعرض جسمه , يلوح بذيله , يلعق شاربيه , يزأر مرة او مرتين , ثم يعود الى القصر ليغوص في ملذاته .

وخوفا من ان تضع الحيوانات عقولها في رؤوسها وتثور يوما , ومن قبيل الحيطة , وضع الاسد في قصره كلابا للحراسه , ولان ما كان يأخذه من الحيوانات كضريبه (حصة الاسد ) كان كثيرا جدا , فقد كان يرمي فضلاته للكلاب الحارسة القصر.

راح يوم , جاء يوم .. اندلعت في احدى الغابات المجاورة ثورة . الحمامات , جلبن الخبر باجنحتهن .. اذ ذاك أيقنت الحيوانات ان الاسد على باطل . رفعت البلابل أصواتها اولا :
- لماذا نعطي (حصة الاسد ) لاسد مسن هفتان .؟
وراحت تزقزق وتتأوّه : حق , عداله , حرية , مساواة !..
سمعت كلاب الازقة نجاوى البلابل فركضت لكونها مكلفة بهذا العمل , واخبرت كلاب الفينو بالامر . نبحت كلاب الفينو منادية الكلاب الذئبية الاضخم منها , الكلاب الذئبيى لرؤسائها من كلاب الرعاة..دواليك حتى وصل الخبر الى الاسد حاكم الغابة .
تفكر الاسد بالامر , ثم اهتدى الى طريقة تساعده على فرط الموضوع بالحسنى . اصدر امره الى كلب صيد من كلابه بان ينقل للبلابل هذا البلاغ :

- إي يا رعاياي البلابل .. تسربت – على ما سمعت – أخبار مفسدة من الغابات الأ جنبية الى غابتنا التي تعيش في هناء , هدفها ان تزعزع الوحدة والتلاحم السائدين في غابتنا , وها انتم اولا بداتم تزقزقون (حرية ) . يا رعاياي البلابل ذات الاصوات الجميلبة , حطوا عقولكم في رؤوسكم!…. لماذا تثرثرون وتحرضون حيوانات الغابة وتعملون على اثارة الفتنه بدلا من ان تزقزقوا وتغردوا فوق شجيرات الورد ؟ . تعالوا جميعا الى القصر !.. سلّوني باغانيكم العذبة ! ذلكم هو الفن ! ..وانا اعطيكم من حصة الاسد ما يشبعكم … واذا كان من بينكم محبون للحرية لا يفضلون المجىء الى القصر فليثرثروا بقدر ما يشاؤون للورود , وانا أرضيهم من (النفقات المستورة ) .. اما ان كان منكم من يصر على ارتكاب خلاف هذا . فان العدالة ستاخذ مجراها .. ومخلبي يطالكم جميعا !!

فور سماع هذا الخبر ركض (طار ) معظم البلابل الى القصر . وضعها الاسد في أقفاص ذهبية , وخصّص لها شيئا من حصة الاسد , وقد بدات , كي تسلي سادتها وتفرح قلوبهم , تمتدحهم وتغرد لهم .
وانقطع النفس والصوت في الغابة . وبالرغم من كل ما كان يحصل , بقي بعض بلابل في الغابة, عاندت وقالت “ القفص قفص .. سواء كان ذهبيا او حديديا “ .. وترنمت :
-يا عذابك ايها البلبل …يا عذابك !
نقلت الكلاب النبأ الى الاسد بهز ذيولها , فانتفض الاسد حانقا .
- لم يبق علي حق.. بلاء البلابل في السنتها. لتقطع السنة البلابل التي لم تسكت !
ولدى صدور قانون الغابة الجديد هذا صاروا . كلما قبضوا على بلبل يتأوه , قطعوا لسانه . صارت البلابل المقطوعه الالسنه تشكو همومها وعذاباتها باشارات من الاعين والحواجب . منعت اشارات العيون والحواجب , ثم اصدر الاسد , بعد ان ايقن انه لايمكن الوقوف في وجه البلابل المقصوصة الالسنة , قانون غابه جديد يقضي بقطع رؤوس المتمردين .
اصبحت الغابة ساكنه , ساكنه , لكن ماذا تعمل الكلاب؟ يجب ان تعمل حتى تأخذ من حصة الاسد على حسب العمل الذي تقدمه للملك , ولتترقى وتترفع .
بدات تجول في الغابه … لا شيء , لا يمكن سماع همسه , لكن مع هذا يجب ان توجد بعض الاشياء , ولكي تعرف ما اذا كان ما يزال ثمة بلابل مخربه هدامة , دارت الكلاب في ارجاء الغابه .. وبعد بحث وتدقيق قام بهما كلب صيد وكلب فينو , وجدا بلبلا واقفا على غصن شجيرة ورد, كان البلبل المسكين لا يستطيع ان يغرد او حتى يغمز . كان , من كبر همه , يغرس الشوك في صدره فيقطر دمه على الوردة وتنبس من عينيه قطرات ناعمه من الدمع , فكرا بحيلة يغضبان بها البلبل ليجعلاه يتكلم حتى يخبرا الاسد بذلك ويستفيدا .
قال الفينو :
- نعم يا أخي البلبل نعمل ونشقى ثم نطعم الأسد ؟ ما هذا الاجحاف ؟ ما هذا التفريق ؟
لم يبلع البلبل حيلة الكلبين , لكن كلب الصيد وكلب الفينو نبحا وبكيا ,فلم يعد البلبل يطيق صبرا فخرجت من فمه كلمه واحدة :
- صحيح .
-ماذا ؟ صحيح ؟
وركض الكلبان باقصى ما يستطيعان , اخبرا الملك بذلك , قال الاسد :
- امسكوه , من يمسكه اجعله رئيس حرس القصر .
ركض الكلبان الى البلبل , نبح كلب الصيد قائلا :
- يا اخي البلبل ! انك تتعب نفسك ولسانك ليلا ونهارا من اجل توعية إخوتنا الحيوانات في الغابة . واضح انك مرهق للغاية , نم هنا وارتح , نحن نحرسك فلا يستطيع أحد ان يلمس منك ريشة .
صدق البلبل المسكين هذا الكلام , اذ استطاع كلب الصيد التظاهر بالتأثر , وكان البلبل قد امضى اياما دون نوم , فصدق. اغمض عينيه , وبمجرد اغماضهما غط في نوم عميق . فهل يقف كلب الفينو ؟ هرررررت!.. امسك بالبلبل من جناحيه . عرف البلبل انه وقع في الفخ , لكن ماذا تجديه هذه المعرفه بعد ان صار الذي صار ومسك به من جناحيه ؟!
اخذ كلب الفينو البلبل في فمه وركض , ركض حتى يصل للقصر قبل كلب الصيد وينال المنكافاة من الاسد , لكن هل يقف كلب الصيد متفرجا ؟ لحق بالفينو , نصب له شركا كي يأخذ البلبل من فمه . قال له :
- يا أخي الفينو ! تمهل قليلا حتى نصل كلانا الى حضرة سيدنا الاسد وننبح معا لنأخذ البشارة .
ولما تمهل الفينو انقض كلب الصيد على ذيله , صار جناحا البلبل في فم الفينو وذيل الفينو بين انياب كلب الصيد . فكر البلبل بخدعة ينقذ بها نفسه من الكلبين فقال :
- يا أخوي الكلبين . لقد قبضما علي .. ومن ذا الذي يعرف ماذا سيقدم لكما سيدنا لقاء هذه الخدمة ؟ تعالا , بدلا من الهدية التي سيعطيكما إياها , ندع لسيدنا الاسد يطول العمر ونصفق له !..
شك الكلبان في الامر , لكنهما , من خوفهما من ان يقال إنهما لم يدعوا لسعادة سيدهما , ولم يصفقا له , وفي مثل هذه الحاله قد يشي احدهما باآخر … كانا مضطرين الى تنفيذ ما اقترحه البلبل .
لكي يصفق كلب الصيد افلت ذيل الفينو من بين انيابه .. ولكي يدعو الفينو للملك فتح فمه و … فررررررر .. طار البلبل وحط على غصن وردة .
وهنا أطلق البلبل , لاول مره في حياته شتيمه كبيره . قال :
-الذي يصدق كلام الكلب بعد اليوم فهو …
ونبح كلب الفينو الذي خسر صيده قائلا :
- الذي يصدق كلام البلابل هو …. والذي يدعو فهو ….
شكك كلب الصيد بتعقل قائلا :
والذي يصفق لسيده قبل ان يقبض المكافأة فهو …



==========

الأحد، 16 سبتمبر 2012

تحليل الشخصية عن طريق خط اليد ..!



جرت الحادثة عام 1944 ، كنت في ذلك الوقت اعمل في الجريدة ، باجر شهري قدره سبعون ليرة. ومن الساعة التاسعة صباحا حتى الساعة الثانية عشرة ظهرا كمراسل في التعليم والاقتصاد. بعد الظهر كنت اعمل كمراسل في قصر العدل... وعدا ذلك ، كنت ملزما بان اكتب يوميا بحثا او تحقيقا. وفي المساء كان علي كتابة حكاية يومية ، كما كنت اكتب يوميا فكرة جديدة. وفي الليل استمع الى الاذاعات واتلقى اخبار العاصمة انقرة بالهاتف.اما عندما يكون هناك ترجمة طلبها مني صاحب الجريدة ، فكنت اقوم بذلك بعد الساعة الثانية عشر ، اجمع هذه الاعمال مقابل سبعين ليرة شهريا. سبعون ليرة وهو مبلغ لا يستطيع احد الحصول عليه بسهولة في ذلك الزمان.. وكان يطلب من كل شخص يود العمل في الصحافة ، ان يعمل شهرين كمتدرب بدون اجر ولكنهم كانوا يمددون هذه المدة الى سنتين.

بعد انتهاء شهرين من التدريب دخلت غرفة صاحب الجريدة ووجهي احمر من الخجل لافهم وضعي. فقال لي:

- انت امل بالنسبة لي. وستكون صحفيا ناجحا ، سامنحك راتبا شهريا قدر خمسون ليرة ، ولكن بشرط ان تقوم بتصميم الكلمات المتقاطعة اضافة الى عملك.

هذه «الان خمسون ليرة شهريا»ومرت خمسة اشهر. بعد خمسة اشهر راجعته فزاد راتبي خمس ليرات. كان يزيد راتبي خمس ليرات كل ثلاثة اشهر حتى اصبح راتبي سبعين ليرة.

راجعته مرة اخرى ، فانتصب واقفا امامي قال لي:

- عن اية زيادة تتكلم، لقد عملنا منك كاتبا من الدرجة الاولى ، ولزاما عليك ان تدفع انت لنا اجرا.

خجلت.. ولكن صاحب الجريدة كان يضعني في مواقف مخجلة اكثر ثم قال لي:

- انظر جيدا ، اذا كنت تستطيع العمل كمحلل للشخصية من خلال الخط ، فانني سامنحك زيادة شهرية قدرها خمس ليرات.

- لا يا سيدي ، لا استطيع ، فهذا الموضوع لا افهم فيه ابدا.

- لا انك تستطيع ان تقوم بهذا العمل.

اصبح راتبي الشهري خمسا وسبعين ليرة على ان اقوم بتحليل شخصيات القراء من خلال الخط. قامت الصحيفة بنشر الاعلان التالي في صفحتها الاولى.

«من اجل فائدة قرائنا الاعزاء ، قمنا بتضحية كبيرة. فلقد دعونا الخبير الالماني هرفان رود شميدت من المانيا الى بلادنا ، وهو من كبار الفلاسفة في العالم في تحليل الشخصية من خلال الخط ، ارسلوا لنا ايها الاعزاء سطرا واحدا مكتوبا بخط يدكم ، ليقوم الدكتور هرفون رود شميدت بتحليل شخصية صاحب الخط. وسوف يتم نشر التحليل على صفحات الجريدة
». لا بد انكم عرفتم من هو اكبر فيلسوف في العالم. انا الدكتور هرفون رود شميدت. لقد اصبحت بروفسورا من اجل خمس ليرات في الشهر.

لم اكن اعلم ان هناك الكثير من الناس ممن يودون معرفة شخصياتهم،.. كانت ترد للجريدة مئات الرسائل يوميا.. فازدادت مبيعاتها. لقد علمني صاحب الجريدة مفهوم تحليل الشخصية على النحو التالي:

- كل شخص يظن ان لديه عادات واشياء حسنة. اكتب عن عدم النجاح وقلة الحظ..،

بالنسبة لي كنت اقف عند المحاكمات العامة ، مثلا: كنت اكتب كنموذج «انت سيدة مرتبة ودقيقة. ولكن في بعض الاحيان تصبحين غير ذلك ، انت تستحقين كل سعادة. روحك نظيفة ، وانت انسانة حقا». كان كل ما اكتبه لا يمكن ان يسيء الى احد.

ولكنني لا انسى ذلك اليوم الذي ارسل لنا فيه احد القراء خمس صفحات كتبها بخط يده ، بدلا من السطر الواحد الذي كنا قد اعلنا عنه. فقمت بتحليل شخصيته على الشكل التالي:

«انت تحب الكلام كثيرا ، ولكنك تعرف كيف تدعو الاخرين بلطف للاستماع الى احاديثك ، انت تقف عند كلمتك في عملك. ستكون ناجحا في حياتك من خلال حديثك».

مساء ذلك اليوم ظهرت فيه هذه الكتابة في الجريدة دخل صاحب الجريدة الى غرفتي وهو يتضايق وقال لي:

- ماذا كتبت انت بحق شخص اسمه «عثمان يوزري»

- لا ادري.. لننظر الى الجريدة.

قرأنا الجريدة ، كانت نفس الكتابة التي حدثتكم عنها. فقال لي صاحب الجريدة:

- لقد حضر هذا الشخص الى الجريدة واصر على رؤية الخبير في الخطوط.

- ما العمل الان..؟

- لا شيء .. انت ستصبح المانيا.. وانا سأقوم بالترجمة.

- هل تتكلم الالمانية؟

- لا ، لا اعرف الفرنسية.

تراكضوا يمينا وشمالا ووجدوا شخصا يعرف الالمانية.. جيد ولكن كيف لي انا ان اعطي اجوبة في الالمانية.

دخل الرجل الى الغرفة ونظر الى صاحب الجريدة والى الشخص الذي سيقوم بالترجمة من الفرنسية الى الالمانية وسأل.

- من هو البروفسور يا سيدي:

اشاروا الي. ولكن الرجل نظر الي في ريبة لانني لا اشبه الالماني مطلقا بل اشبه اليابانيين.

- من فضلك بلغ البروفسور الدكتور هرفون رودر شميدت اعجابي الشديد. فلقد اصاب وبشكل مدهش تحليل شخصيتي. فانا محام ولقد عرف الدكتور انني فنان في الكلام.

قام صاحب الجريدة بترجمة هذا الكلام من اللغة التركية الى الفرنسية. وترجم الزميل الكلام الى الالمانية. وجاء دوري لاعطي الاجابة بالالمانية.انا لا اعرف كلمة واحدة في الالمانية. فقلت لنفسي لاصافح هذا المحامي بدلا من ان اشكره. فقلت بلهجة المانية.

- ياه. شون ، زرشون. وصافحته.

في هذه الاثناء دخل رئيس المنضدين واتجه رأسا الى السؤال قائلا:

- يا حسن بك ، المطبعة تنتظر وانت لم تعطنا تحليل الشخصية حتى الان.

التفت الى الوراء ، فصرف صاحب الجريدة رئيس المنضدين. ولكن غيمة من الشكوك كانت تبدو في نظرات المحامي الذي بادر بالكلام قائلا: - لي رجاء من الدكتور المحترم. في نيتي الزواج من فتاة فهل يستطيع الدكتور ان يحلل لي شخصيتها من خلال ما كتبته لي من رسائل. وعلى ضوء ما سيقوله الدكتور ساقرر ما اذا كنت سأتزوجها ام لا.

ترجم صاحب الجريدة الكلام الى الفرنسية وقام المترجم بترجمتها الى الالمانية. واسقط في يدي فنظرت في عيني صاحب الجريدة الذي اشار الي بعينه بمعنى «قل اي شيء» بدأت برمي الكلام.

- «داس اينن لوغان اوبد زيهته شلاهين. مورغر دره ناه فيفوزن ماينه».

نقل المترجم هذا الحديث الملفق الى الفرنسية ونقل صاحب الجريدة الكلام الى التركية على الشكل التالي:

- البروفسور المحترم يقول «طبعا نستطيع القيام بتحليل الشخصية حالا».

هذه المرة انبرى المحامي قائلا: انا افهم قليلا الالمانية. ولكني لم افهم شيئا مما قاله البروفسور. فرد صاحب الجريدة قائلا:

- البروفسور من سكان غرب المانيا فحتى الالمان لا يفهمون لهجته الا بصعوبة.

في ذلك اليوم جرى كل شيء معاكسا ، فقد دخل القهوجي وسألني قائلا:

- حسن بك هل الشاي لك.

اخذ صاحب الجريدة الشاي وخرج القهوجي. ولكن المحامي اصبح مليئا بالشك والظنون. في هذه الاثناء انفجر الوضع تماما عندما دخل بقال الحارة الذي كان يمر عدة مرات يوميا وكنت اتهرب منه وبدأ يصيح باعلى صوته وسط هذا الجمع قائلا:

- شكرا يا حسن بك لاننا التقينا. والله عيب ، فانا امر عليك في اليوم عشر مرات وانت تقول اليوم ، غدا.. لماذا تكذب علي؟ هل ارتكبنا خطأ عندما بعناك بالدين؟

فقال صاحب الجريدة للبقال:

- ماذا تريد ايها اليسد هذا الرجل لا يفهم اللغة التركية.

- ماذا تقول؟ لا يفهم التركية؟ الله الله يتكلمها كالبلبل عندما يشتري الفاصوليا والبصل.هل انعقد لسانه عندما رآني. والتفت الي قائلا:

- انظر يا حسن بك انا لا افهم الكلام اريد فلوسي.

فاجبته:

- اه بن كاينه. آه ذا يتونع ذين.

نظر البقال في وجهي وهو منهدش وقال لي:

- لقد جننت انت.

- لي فول اشو كان بين زولا مي هان.

لم يعد المترجم يستطيع الاحتمال فانفجر ضاحكا. اما المحامي فقد بدت على وجهه الدهشة ، وهو ينظر الي والى صاحب الجريدة والبقال.

التفت صاحب الجريدة الى البقال وقال له:

- يا اخي انت تشبه على هذا الشخص.. هذا الرجل بروفسور الماني.

- بروفسور الماني. معنى ذلك ان هذا الرجل بدأ بالنصب والاحتيال.

لقد خدعكم يا سيدي بادعائه بانه بروفسور الماني. انظر الى سحنته؟ هل رأيت في حياتك رجلا المانيا بهيئة شخص ياباني.

كنت متجهم الوجه وكأنني لا ادري مايدور حولي فبدأت بالسؤال.

- ذي كونير.قماردين شيفتانغير زوهنه.

- ابعد المحامي المترجم والتفت الي قائلا:

- لماذا احمرّ وجهك.

في هذه اللحظة نسيت انني بروفسور الماني فقلت له:

- لا ادري.

فالتف الي المحامي وقال:

- تفوه.. وخرج.

كذلك تفل البقال كالمحامي وخرج. بقيت انا وصاحب الجريدة. اخرجت المنديل من جيبي وبدأت امسح وجهي وعيني. فقال لي صاحب الجريدة:

- يا حيف عليك. لم تنجح في العمل الذي كلفتك به وتبدلت ملامح وجهك وعينيك. سأقوم بحسم عشر ليرات من راتبك الشهري... تفوه عليك.. وخرج ايضا.!




الأربعاء، 12 سبتمبر 2012

قصة إذا



صديقي الغالي بحري فلفل..
شكراً على رسالتك التي بعثتها لي .
إذا لم تَضِع رسالتي هذه في مكتب البريد ، وإذا لم تُنسَ في مكان ما ، وإذا اجتازت الرقابة بسلام ، وإذا استطاع عامل البريد قراءة العنوان ، وإذا بقيت في بيتك الذي تسكن فيه دون أن يأخذ منك ساعة وصول هذه الرسالة ، فإني آمل أن تصل إليك..
صديقي بحري فلفل..
تسألني عن موعد زواجي من خطيبتي..إذا وجدت حبيبتي عملاً ما ، وّإذا أمنت الراحة التامة لمديرها في العمل ، وإذا لم يطردها من عملها بحجة أنها لا تعطيه ما يريده ، وإذا استطعنا براتبي وراتبها استئجار بيت ، وإذا استطعنا أن نشتري عدة أشياء لهذا البيت ، وإذا تحقق الازدهار الذي وعدنا به رئيس مجلس الوزراء وإذا زاد راتبي الشهري ، وإذا تحسن مستوى الحياة الذي من يوم عرفت هذه الدنيا وأنا أسمع بأنه سيتحسن ، وإذا لم ينفذ صبر حبيبتي التي انتظرتني عشر سنوات ، حتى يتحقق كل هذا ، وإذا لم يعتقلوني بأمر وزاري ، وإذا لم ينفوني إلى مكان ما ، وإذا لم يطردوني من عملي ، فإني سأتزوج قريباً جداً .
صديقي بحري فلفل..
تسألني عن خالتي صافيا خانم..إذا وجدنا العلاج الذي وصفه الدكتور السابع في الصيدليات ، وإذا استطعنا أن نجد لها سريراً فارغاً في المشفى من أجل العملية ، وإذا خرجت من المشفى بصحة جيدة ، وإذا استطعنا إيجاد العملة الصعبة لإرسالها إلى أوروبا للعلاج ، لأنها لن تشفى هنا ، وإذا لم يحجزوا الباخرة مقابل قرض ما ، وإذا لم تكشف الأشياء المهربة التي في الباخرة ، وإذا استطاعت أن تنقذ نفسها من معاينة الجمرك ، وإذا لم تسجن بتهمة التهريب لأنها أحضرت ربطة عنق لزوجها ، وإذا أعطاها الله عمراً حتى تلك الأيام ، فإنها وبإذن الله ستشفى في القريب العاجل .
أخي العزيز بحري فلفل..
تسألني عن وضع فريقنا القومي لكرة القدم في هذه السنة..إذا ضيَّق مرماه قليلاً ، وإذا لم تأت الشمس بعيون لاعبينا ، وإذا لم يكن تيار الهواء معاكساً لهم ، وإذا لم يظلمنا الحكم ، وإذا صاح جمهور فريقنا بأعلى صوته ((يا حمير...يلا ياكلاااااب)) موجهين كلامهم للفريق الخصم ، وإذا نال جمهور فريقنا-بحركات أيديهم وأرجلهم البذيئة-من الروح المعنوية لفريق الخصم ، وإذا استعمل جمهور فريقنا الزجاجات الفارغة والعلب من اجل ضرب أعضاء الفريق الخصم وجرحهم ، وإذا زرنا مقام السلطان أيوب وقدمنا القرابين ، متوسلين إليه كي يوفق الله فريقنا ، فإن فريقنا سيكون بطل الكأس لهذا العام .
أما بالنسبة لنا..فإذا لم ينهمر المطر وعلى أثره تتعطل الهواتف ، وإذا لم ينقطع الغاز بسبب تعطل الهاتف ، وإذا لم ينقطع التيار الكهربائي بسبب انقطاع الغاز ، وإذا لم تتعطل الإذاعة بسبب انقطاع الكهرباء ، وإذا لم تتفجر مواسير المياه بسبب انقطاع الإذاعة ، وإذا لم يتراكم السير ويزدحم بسبب انفجار مواسير الماء ، وإذا لم يزيدوا أسعار الرغيف بسبب تراكم السير ، فٌإننا سنكون على خير ما يرام .
سأحدثكم- صديقي بحري فلفل-عن عمي الذي سألتموني عن أخباره..إذا استطاع أن يذهب إلى العاصمة ، وإذا استطاع عن طريق الرشوة أو الهدايا أن يسير أعماله ، وإذا تعرف عليه ولم ينكر معرفته ذلك الرجل الذي كان في يوم من الأيام من أصدقاء دراسته ، وإذا أعطاه ((كرت)) واسطة ، وإذا استطاع الحصول على الشهادة الجامعية ، وإذا استطاع الحصول على قرض من المصرف وإذا وفق في تجارته ، وإذا استطاع أن يتحمل كل المشقات حتى ذلك الوقت ، فإن أعماله-عما قريب-ستكون على خير ما يرام .
أخي بحري فلفل..
أما بالنسبة إلى أخي الصغير ..فإذا لم يحشر مع تسعين طفلاً في صف واحد مثلما حصل السنة الماضية ، وإذا انقضت السنة بدون دروس فراغ بسبب عدم وجود المعلمين ، وإذا لم يحولوا السنة الدراسية إلى نظام الفصول الثلاثة ، وإذا استطاع أن يقدم مواد تكميلية بسبب رسوبه في الفصل الثاني ، وإذا قدم الوزير تسهيلات أكثر للطلاب كي يزيد نسبة النجاح ، فإن أخي الصغير سينجح هذه السنة أيضاً .
أخي بحري فلفل..
ذهبت وسألت عن الشيء الذي تسألني وتريد معلومات عنه ، وقد حصلت على هذه المعلومات التالية: إذا خرج السمك إلى اليابسة وإذا نبت الشعر على وجه الأجرد ، وإذا بنى الجاموس عشاً له على أغصان شجر الصفصاف ، وإذا أصبح ذو البشرة السوداء ذا لون أبيض وإذا غسلت القطة غسليها ، وإذا صعدنا إلى السماء بسلم ، فإن الذي سألتني عنه سيحدث حتماً .
صديقي الغالي فلفل...أنتظر رسالتك بفارغ الصبر.
 
 
 
 
 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الاثنين، 10 سبتمبر 2012

الفئران تأكل بعضها



في احد الازمان واحد البلدان … لا, الحكاية لا تصح هكذا , تصح اذا حددنا الزمان والمكان .
الزمان : بعد الميلاد .
المكان : مكان ما في هذا العالم .
هاقد صار الزمان والمكان معروفين .

لنأت الى الحادثه , في المكان الذي ذكرناه , والزمان الذي حددناه , كان ثمة مخزن كبير . المخزن كان مملوءاّ بما يؤكل , يحرق , يلبس , ..يغسل . كل شيء مفصل مرتب.
الخضار اليابسة كالحمص والفاصولياء والفول … في طرف , الحبوب كالذرة والارز والشعير ..في طرف … والاحذية والالبسة في طرف آخر .

كان يدير المخزن المحدد المكان والزمان , مدير ناجح, في يوم لم يعد يعرف المدير الناجح ماذا يعمل , الفئران احتلت المخزن . الماكولات صارت تتناقص. الفئران قرضت الجبن والخبز المقمر .
المدير الناجح لا يجلس ويداه على خصره ابداَ, حارب الفئران بكل ما أوتي من بأس , لكنه وبالرغم من كل ما بذله , لم يكسب الحرب . الصابون وقطع الجبن تتناقص يوما بعد يوم , الملابس اصبحت مثقبه ومهبرة , أعشاش الفئران بنيت داخل اكياس الطحين ..
لم يبق اطمأنان على سلامة المخزن من الفئران التي أخذت تسمن وتسمن وتعجعج وتتكاثر كلما اكلت من الحبوب والاطعمة , غصّ المخزن بالفئران , واحتل جيش منها المخزن الكبير .. بدا انه حتى الوقوف بالمخزن مستحيل .. لم تكتفي الفئران بالتهام المأكولات وقرض الملبوسات وقضم الجبن والسجق , بل انها راحت تسن اسنانها واظافرها بالجلود والاحذية والخشب ..
اصبحت الفئران من وفرة الغذاء , بحجم القطط ,, ومع الزمن بحجم الكلاب , كانت لا تهجع ابدا تتراكض وتتلاعب وتنط في المخزن .. وفوق ذلك سدت اكثر اماكن التهوية والانارة والجمال فيه ..
المدير الناجح استمر في حربه مع الفئران دون هوادة .. وضع اكثر أنواع السموم مضاء كل جهة وكل صوب … لم يستفد شيئا …!!! لا بل ان الفئران اعتادت على السم المقدم لها .. لانها كانت تنتشي بتناولها كما ينتشي الانسا ن المعتاد على سموم النشوة , وبدات مع مرور الزمن تطلب السم اكثر .. واذا لم يقدم لها هذا السم .. مع الزيادة عن اليوم السابق .. كانت تدب على الارض بارجلها فتكاد تهد المخزن.
جمع مدير المخزن أفضل أنواع القطط وفلتها في المخزن ليلا ..وفي الصباح وجد وبر القطط المسكينة وبقايا عظامها , لم تستطع القطط مجابهة الفئران , ولم يقتلها اقوى السموم .
بدا المدير الناجح بصلي افخاخ كبيرة .. وصار … يحدث ان يقع بعض الفئران فيها في الفخ … لكن اذا وقعت خمسة فارات في الفخ ليلا … فانها تلد ما لايقل عن عشرين او ثلاثين فارا في النهار .
وفكر المدير … اهتدى الى طريقة فريدة : صنع ثلاث اقفاص جديدة .. رمى في كل منها ما كان يقع من الفئران الحية في الفخ ..امتلا كل قفص من الاقفاص بالفئران .. لم يقدم للفئران طعاما او اي شيء.. اختارت الفئران التي باتت على الطوى ثلاث أيام , خمسة ايام , اختارت الفئران الاضعف بينها , قطعتها اكلتها اشبعت بطونها .. وبعد وقت جاعت … بدات تتصارع … وبنتيجة صراعها الدامي هذا … سطت على واحدة منها .. حنقتها ,, قطعتها … اكلتها ..وهكذا اخذ عدد الفئران يتناقص مع مرور الايام .. تبقى الفارة الاكبر , صاحبة العزم الاقوى , وتتقطع الفارات الضعيفات ويؤكلن .
تحولت الاقفاص المملوءة بالفئران الى ساحات حرب حقيقية … بقي في كل قفص من الاقفاص الثلاث ثلاث الى خمس فئران … الفارات الباقيات صرن يترامين على بعضهن ويتعاضضن ..قبل ان يشعرن بالجوع ..ذلك ان الواحدة منهّن اذا لم تفتك بلاخرى فان الاخرى ستقطعها تقطيعا ..
لذلك صارت كل فارة من الفئران من اجل حماية نفسها تستغل فترة نوم او سهو الفارة الاخرى لتنقض عليها وتخنقها وتقطعها … واكثر من ذلك … صارت تتحد فارتان او ثلاث في كل قفص ويهاجمن اخرى .. وتلك المتحدة في المطاف الاخير … تتحاين الفرصة لياكل بعضها الاخر …
اخيرا بقي في كل قفص فأرة واحدة : الاقوى , الاذكى , الاكبر , الاكثر صمودا …
عندما بقي في كل قفص فارة واحدة … فتح الرجل أبواب القفص وفلت الفئران الثلاثة داخل المخزن .. واحدة واحدة …؟؟
بدات تلك الفئران الثلاث , الضخمة , المغذاة … المتوحشة , المعتادة على اكل بنات جنسها , تنقض على فئران المخزن .. مهما بلغ عددها , تخنقها وتقطعها وتلتهمها .. ولكونها توحشت … صارت تاكل ما ياكل من الفئران وتقتل الباقي من اجل حماية نفسها … كيلا تخنقها وتلتهمها الفارات الاخريات … وهكذا , 
وخلال مدة قصيرة… تخلص المحزن الآنف الذكر من الفئران …
الحكاية انتهت هنا سؤال أوجهه لكم أيها القراء الأعزاء: 
كيف خطر في بال المدير الناجح هذا المكر الذي لا يخطر ببال الشيطان ؟؟
كيف اهتدى إلى أسلوب الخلاص من الفئران وذلك بإطعامها بعضها البعض ؟؟؟ 
الجواب : لان مدير المخزن كان الفأر الأقوى الذي بقي سالماَ بنتيجة تآكل أبناء جنسه . لقد أصبح مديرا لذلك المخزن عن طريق أكل وقتل أصدقائه ... طبق على الفئران أسلوب حياته الخاص ... الناجح
 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

السبت، 8 سبتمبر 2012

تطورنا كثيراً !

 
مواطني الأعزاء.....مواطني المحترمين ! ....
إننا نشهد تطوراً ملحوظاً, و قد ينكر البعض هذا التطور, أو يحاول القيام بذلك. لكن هل يمكن إخفاء وجه الشمس و تغطيته بغربال ؟.. بالتأكيد لا, فطالما لا يمكن إخفاء وجه الشمس , إذن علينا أن لا نثق بمن يحاول إقناعنا بأننا لم نتطور, فمثلاً يلزمنا ثلاثة أيام و ثلاث ساعات كي نصل من ( استنبول ) إلى هنا على متن القارب الذي يعمل على المازوت, بينما كنا نقطع المسافة ذاتها بصعوبة على متن القارب الشراعي في ثلاثة أشهر.
مواطني الأعزاء.. مواطني المحترمين ! ....
هل يمكن أن نتجاهل تطورنا هذا أو نغفله ؟. المسافة التي كنا نقطعها في ثلاثة أشهر بتنا نقطعها في ثلاثة أيام, و ماذا قبل اكتشاف القوارب الشراعية ؟.. عند العودة إلى كتب التاريخ نجد أن هذه المسافة كانت تقطع عبر البر بثلاث سنوات, هل يمكن مقارنة ثلاث سنوات مع ثلاثة أيام ؟.
و الآن لنتناول مسألة الطرقات..
مواطني المحترمين, ها هي الأمور أمام أنظاركم, انظروا إلى هذه الطرقات المعبدة, هل كانت كذلك سابقاً ؟. حتى أنها كانت بلا أرصفة.. و لو توغلنا في القدم, لوجدنا أن الأزقة الترابية لم تكن موجودة أيضاً, و قبل ذلك لم يعرف الإنسان الطريق بتاتاً... و يقولون أننا لم نتطور !, كيف يمكن أن نتطور لو لم نشق الطرقات, لولا ذلك لاضطررنا إلى تسلق الجبال و الالتفاف حول الوديان.
انظرو إلى المصابيح الكهربائية, إنها موزعة في كل مكان و موجودة في كل بيت, لكن هل كانت الطاقة الكهربائية مستخدمة قبل مئة عام ؟.. كنا نستخدم مصابيح ( الكاز ), وحتى هذه المصابيح لم تكن معروفة قبل ثلاثمائة سنة, فالإنسان كان ينير عتمة لياليه بالشموع, و ماذا قبل ألف سنة ؟.. إن الإنسان لم يعرف إمكانية استخدام زيوت الراتنج في الإضاءة... و يقولون أننا لم نتطور !, بالله عليكم قولوا, طالما أننا لم نتطور فماذا تعني هذه الكهرباء, و هذه الطرق, و هذه السفن ؟.. لو لم نكتشف الكهرباء, و لو بقينا في الظلمة, و كل منا ارتطم و شج رأسه هل كان هذا أفضل ؟.. و لو لم نشتر هذه السفن لما استطعنا اختصار كل هذه المسافات.
كيفما نظرتم تجدون آثار التطور و التقدم في البلاد, انظروا إلى السيارات تجدون الـ ( فورد ) و الـ ( الشفروليه ) و كذلك الـ ( البويك ) و الـ ( الكاديلاك ) و غيرها الكثير, إذن و لله الحمد سيارات من كل الموديلات, حسناً, طالما أنكم تقولون بأننا لم نتطور فكيف تم كل ذلك ؟.. بالله عليكم حكموا ضمائركم, هل كان لدينا كل هذه السيارات ؟.. ثقوا تماماً أيها الأخوة المواطنون الأعزاء, أنه قبل خمسة آلاف سنة حتى العربات لم تكن تسير بشكل معقول !!!, و الثور هذا الذي نعرفه لم يكن موجوداً قبل مئة ألف سنة.
إذن أين الإنصاف, و كيف وجد كل هذا ؟..
طائراتنا تطير في أجوائنا, و سفننا تمخر عباب البحار, الراديو و الهاتف و طناجر الضغط.. أليس كل هذا تطوراً ؟.
أيها المواطنون الأعزاء المحترمون جزيل الاحترام, فلنأت الآن إلى ميدان التعليم, لنجد أن الإنجازات هنا مثل الإنجازات و التطور في جميع المجالات. انظروا إلى الصحف و الكتب المطبوعة, المطابع التي طبعتها لم تكن موجودة قبل خمسة آلاف سنة, و هل هذا شيء قليل لبلاد مثل بلادنا.... و المدارس !.. لدينا مدارس لا تعد و لا تحصى, كذلك جامعاتنا, و بإذن الله سنحدث منها الكثير. هل كان لدينا هذا العدد من المدارس, هل كانت الجامعات معروفة قبل ألف سنة  ؟.. آنذاك لو ذكرتم الثلاجات لكنتم موضع سخرية, و هل هناك من يسخر الآن لو ذكرتم الثلاجات و المكانس الكهربائية ؟.. كم هو مخيف هذا التطور.
و الآن لنتذكر تطورنا في مجال الصحة..
مواطني الأعزاء !!..
قبل ثلاثمائة عام لم تكن الأمصال المضادة للكوليرا موجودة, أطفالنا لم نكن نحصنهم ضد هذه الأمراض, أطباؤنا آنذاك لم يكن لديهم لا شغل و لا عمل, بينما هم الآن يعملون كل ما في وسعهم كي يلقحوا الأطفال.
من يعرف منكم فليقل, أرجوكم قولوا دون خجل هل كانت حبوب الأسبرين موجودة قبل أربعمائة سنة. لم العودة و التوغل في التاريخ, حتى قبل مئة عام نحن أنفسنا لم نكن موجودين, هل كنا موجودين آنذاك ؟.. ليقل أحد منكم إذا كان موجوداً قبل مئة عام !, ليقل دون أدنى خجل.. ليرفع يده.. و الله إني أعدكم بأنني لن أحاسبه و لن أقاضيه أمام المحاكم.
نعم, لم يكن أي شيء في هذه البلاد, حتى هذه البلاد لم تكن موجودة آنذاك, قولوا هل كانت موجودة قبل خمسة آلاف عام ؟!.
لأتحدث إليكم بأمور أهم من ذلك, مواطني الأعزاء !! ..
لو بقينا نعيش داخل الكهوف, هل كنا سنلبس الجوارب ؟, و هل كانت نساؤنا سترتدي ملابس البحر ؟, هل كنا سنعرف أكياس النايلون ؟.
ليتحدث المغرضون عما يحلو لهم, المهم أن لا تصدقوهم و أن لا تثقوا بما يقولون, على العكس تماماً, فكما تشاهدون فإننا قد تطورنا كثيراً. 

الأحد، 2 سبتمبر 2012

آه منا نحن معشر الحمير.!!



كنا، نحن معشر الحمير، سابقاً نتحدث بلغة خاصة بنا، أسوة بكم معشر البشر، هذه اللغة كانت جميلة وغنية، ولها وقع موسيقي جذاب كنا نتكلم ونغني . لم نكن ننهق مثلما عليه الحال الآن. لأن النهيق بدأ عندنا فيما بعد، وتعلمون أن جميع حاجاتنا ورغباتنا وحتى عواطفنا، نعبر عنها الآن بالنهيق.

ولكن ما هو النهيق؟ هاق، هاق.

هو عبارة عن مقطعين صوتيين، أحدهما غليظ وثخين، والآخر رفيع، يصدران الواحد إثر الآخر.

هذا هو النهيق.. الذي بقي في لغتنا ، لغة الحمرنة، لكن كيف تغيرت هذه اللغة حتى أصبحت بهذا الشكل؟

ألا يهمك معرفة هذه الحكاية وكيف حدثت؟

حسناً إذاً ، بما أنكم تهتمون بذلك، سأرويها لكم باختصار، لجم الخوف ألسنتنا وذهب بعقولنا ، وبسبب الخوف نسبنا للغتنا الحميرية.

في غابر الزمان كان يلهو حمار هرم وحده في الغابة، يغني بعض الأغاني بلغة الحمير ويأكل الأعشاب الغضة الطرية، وبعد فترة من اللهو تناهت إلى منخريه رائحة ذئب قادم، من بعيد. رفع الحمار رأسه عالياً وعبّ الهواء ملء رئتيه وقال: لا يوجد رائحة ذئب، لا، لا ليست رائحة ذئب ، وتابع لهوه قافزاً من مكان إلى آخر، ولكن الرائحة أخذت تزداد كلما دنا الذئب أكثر. هذا يعني أن المنية تقترب.

- قد لا يكون ذئباً، قد لا يكون، ولذلك حاول الحمار الهرم أن يطمئن نفسه، إلا أن الرائحة كانت تزداد باطراد، فلما ازداد الذئب اقتراباً، كانت فرائص الحمار ترتعد رعباً، ومع ذلك كان يحاول إقناع نفسه بأن القادم ليس ذئباً.

- – إنه ليس ذئباً، إن شاء الله كذلك، ولم يكون كذلك؟ ومن أين سيأتي وماذا سيفعل؟ وهكذا ظل الحمار الهرم يخدع نفسه، حتى بات يسمع صوتاً غير مستحب، صوت دبيب الذئب القادم.

- إنه ليس ذئباً، لا ليس صوت ذئب، ولا يمكن أن يكون كذلك، وماذا سيعمل الذئب هنا، ولمَ سيأتي؟؟؟

ومع اقتراب الذئب أكثر فأكثر أخذ قلب الحمار يخفق وعيناه ترتجفان، وعندما حدّق عالياً صوب الجبل، رأى ذئباً مندفعاً مخلفاً وراءه سحباً من الغبار.

- آه آه.. آه إنه ذئب، وكنت أحلم بذلك؟ قد يكون خيّل إليّ أن ما أراه ذئب أو كنت أحلم بذلك.

وبعد فترة ليست طويلة رأى ذباً قادماً من بين الأشجار، مرة ثانية حاول أن يطمئن نفسه قائلاً:

- أتمنى أن لا يكون ما أراه ذئباً، إن شاء الله لن يكون كذلك، ألم يجد هذا اللعين مكاناً آخر غير هذا المكان؟ لقد أصاب الوهن عيني، لذلك أخذت أرى هذا الشيء ذئباً قادماً.

تقلصت المسافة بينه وبين الذئب حتى أصبحت خمسين متراً. أيضاً حاول طمأنة نفسه قائلاً:

- إن شاء الله أن يكون ما أراه ليس ذئباً، قد يكون حملاً أو فيلاً أو أي شيء آخر. ولكن لمَ أرى كلّ شيء بهيئة ذئب؟

- – أعرف تماماً أن ما أراه ليس ذئباً ، ولكن لمَ لا أبتعد قليلاً.

أخذ الحمار الهرم يبتعد قليلاً ناظراً إلى الوراء، أما الذئب فقد اقترب منه فاغراً فاه.

- حتى لو كان القادم ذئباً ماذا سيحصل… لا، لا لن يكون ذئباً، ولكن لم ترتعد فرائصي؟

جهد الحمار الهرم أن تكون خطواته أسرع، حتى بات يركض بأقصى سرعة أمام الذئب المندفع.

- آه كم أنا أحمق فقد صرت أظن القطّ ذئباً وأركض هكذا كالمعتوه، لا ليس ذئباً… زاد الحمار من سرعته حتى أخذت ساقاه ترتطمان ببطنه ومع ذلك استمر في خداع نفسه قائلاً:

- حتى لو كان الذي أراه ذئباً ، فهو ليس كذلك، إن شاء الله لن يكون كذلك.

نظر الحمار الهرم وراءه فرأى عيني الذئب تشعان وتطلقان سهاماً نارية، وتابع ركضه مطمئناً نفسه بقوله:

- لا ، لا يمكن أن يكون ذئباً.

نظر الحمار خلفه عندما شعر بأنف الذئب يلامس ظهره المبلل، فوجده فاغراً فمه فوق ظهره.

حاول الركض إلا أنه لم يستطع ذلك لأن قواه خانته، فأصبح عاجزاً عن الحراك تحت ثقل الذئب، ولكي لا يراه فقد عمد على إغلاق عينيه وقال:

- أعرف تماماً أنك لست ذئباً.

لا تدغدغ مؤخرتي إني لا أحب مزاح اليد.

غرز الذئب الجائع أسنانه في ظهر الحمار الهرم، ونهش منه قطعة كبيرة، ومن حلاوة الروح، كما يقولون، إرتبط لسان الحمار ونسي لغته.

- آه آه إنه ذئب آه، هو آه هو …..

تابع الذئب النهش من لحم الحمار الهرم ذي اللسان المربوط، حيث لا يصدر منه سوى آه هو … هاق …. هاق.

منذ ذاك اليوم نسينا أيها السادة ، ولم نستطع التعبير عن رغباتنا وأفكارنا إلا بالنهيق.

ولو أن ذاك الحمار لم يخدع نفسه، لكنا نجيد الحديث بلغتنا إلى الآن. ولكن ماذا أقول آه منا نحن معشر الحمير.. هاق … هاق …
 


ـــــــــــــــــــــ